
إنّ تصريح بن غفير، وزير الأمن القومي في الحكومة الجديدة، بأن القانون الاسرائيلي يمنع رفع علم فلسطين، ويعتبره تماهيًا مع منظمة إرهابية هو هراء محض، ولا يوجد أي حظر لرفع العلم الفلسطيني الذي يسميه الوزير "علم منظمة التحرير الفلسطينية" في الحيّز العام.
على الرغم من أنّ المادة 82 من قانون الشرطة تخوِّل الشرطة بحظر رفع الأعلام (أيا كانت هذه الأعلام) إذا كان رفعها قد يؤدي للإخلال بالسلم العام، ولكن واستنادًا على أحكام وقرارات المحاكم المتعلّقة بحريّة التعبير، قرّر المستشار القانوني للحكومة أنه لا يمكن اتخاذ إجراءات بموجب هذه المادّة (المادة 82 من قانون الشرطة) إلا عندما تكون احتمالية أن يؤدي رفع العلم إلى انتهاك خطير للسلم العام عالية بشكل جدّي وليست مجرّد تخمين. في الغالبية العظمى من الحالات التي تعمل فيها الشرطة على إزالة العلم من الحيّز العام مع إيذاء أولئك الذين يرفعونه، لا توجد مثل هذه الاحتمالية ولا يوجد مبرر قانوني لتصرّف الشرطة.
على بن غفير وثلّته أن يتعمّقوا في قرارات المحكمة العليا بشأن هذا الموضوع، وأن يدرسوا توجيهات المستشار القضائي للحكومة الصادرة بعد اتفاقيات أوسلو، وأن يكبحوا لهاثهم القوميّ العنصريّ الّذي يهاجمون به العلم.
علم فلسطين هو علم جزء كبير من سكّان البلاد ورمز لهويتهم، كما يعبّر عن مناهضة الاحتلال والمطالبة بالمساواة، الحرّيّة وحقوق الإنسان.
موادّ للتّوسّع:
ملخّص التماسنا للمحكمة العليا ضدّ نهج الشرطة حيال علم فلسطين
نعيد أدناه نشر الأسئلة والإجابات التي حضّرناها حول قانونيّة رفع العلم الفلسطيني:
هل يجوز رفع العلم الفلسطيني؟
نعم. لا يوجد قانون في إسرائيل يمنع رفع العلم الفلسطيني. إن رفع العلم - أي علم - هو شكل من أشكال التعبير، وحرية التعبير تعتبر حق دستوري وفقا للقانون في إسرائيل. قضت المحكمة العليا بعدم تقييد الحق في التعبير ما لم يكن هناك خطر شبه مؤكّد بأنّ الأمر قد يؤدّي لإلحاق ضرر جسيم بالسلامة العامّة. إن حرية التعبير السياسي، التي يندرج رفع العلم ضمنها، تحظى بأقصى قدر من الحماية القانونية. ويرجع هذا لأساسيّتها وأهميتها من أجل وجود نظام ديمقراطي، إلى جانب أهميتها الاجتماعية وكونها أكثر عرضةً للمضايقات من قبل السلطات.
أين يجوز رفع العلم الفلسطيني؟
في كل مكان. يُسمح بحمل العلم في المظاهرات وتعليقه على المنازل والتطريز وطباعته على الحقائب والتجول بملابس مع صورة العلم. نذكّر أنه قد تم رفع العلم الفلسطيني في الكنيست وفي اجتماع للحكومة وفي لقاءات أعضاء الكنيست مع ممثلي السلطة الفلسطينية.
هل هو علم فلسطين أم علم منظمة التحرير الفلسطينية؟
علم فلسطين هو علم الشعب الفلسطيني في إسرائيل والأراضي المحتلّة وحول العالم، ويعدّ رمزًا للهوية الفردية والجمعيّة، وهو معروف بذلك منذ بداية القرن العشرين. لاحقًا تبنته منظمة التحرير الفلسطينية وأصبح فيما بعد أيضًا علم السلطة الفلسطينية. كذلك، يعبر علم فلسطين أيضًا عن مناهضة الاحتلال والمطالبة بتحقيق المساواة للفلسطينيّين في إسرائيل.
في أعقاب مؤتمر مدريد واتفاقات أوسلو في عام 1993، وبناء علاقات رسمية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقًا مع السلطة الفلسطينية، صرّح المستشار القضائي للحكومة بأنه لا مصلحة للجمهور في اتخاذ إجراءات جنائية ضد من يرفع العلم. كرر المستشار هذه التوجيهات في عام 2014، وحتى أنه فضّل أكثر بأنّ إمكانيّة إنزال الأعلام تتاح فقط عندما احتمالية أن يؤدي رفع العلم إلى انتهاك خطير للسلم العام عالية بشكل جدّي وليست مجرّد تخمين أو عند وجود شك جدّي في أن رفع العلم يشكل مخالفة جنائية بالانتماء إلى منظمة إرهابية أو التماهي معها. وبذلك، تبنى المستشار المعايير الصارمة المنصوص عليها وفقًا لقرارات المحاكم بشأن تقييد حرّيّة التعبير.
وماذا عن الادّعاء بأنّ رفع العلم الفلسطيني يمسّ بمشاعر الآخرين؟
هناك من يدّعي بأنّ رفع الفلسطيني يمسّ بمشاعر شريحة واسعة من الإسرائيليّين، وهذا ممكن، لكنّ منع رفعه يمسّ أيضًا بمشاعر شريحة أخرى، وحقوقها أيضًا. وفي الأصل، لا تشكّل ذريعة المسّ بالمشاعر حجّة قانونيّة لمنع رفع العلم أو تقييد أي شكل من أشكال حرّيّة التّعبير.
إن ماهيّة حرية التعبير لا تنحصر فقط بالآراء التي تم التوافق عليها، بل إنّ اختبارها الحقيقي يكمن في الدفاع عن الآراء والمواقف التي قد تكون مستفزّة وغاضبة ومهينة. في عدّة قرارات، رفضت المحكمة العليا القيود المفروضة على حرية التعبير بحجّة المسّ بمشاعر الجمهور، وذكرت أن "مجتمعًا قائمًا على التعددية الاجتماعية يجب أن يسمح بتبادل الآراء، حتى لو كان ذلك يمسّ بمشاعر من يعارض مثل هذه الآراء. إنّ أساس ماهيّة النظام الديمقراطي يشمل انكشافًا للمسّ بالمشاعر. قد يكون المسّ بالمشاعر، وحتى الأذى الجسيم، هو نتيجة حتمية للتبادل الحر للآراء والأفكار في مجتمع ديمقراطي". (المحكمة العليا، 2194 / 06 حزب "شينوي" ضد رئيس لجنة الانتخابات المركزية).
ما هي مواقف المحاكم حيال علم فلسطين؟
في عام 1994، رفضت المحكمة العليا التماسًا سعى إلى مقاضاة رافعي العلم والعمل على إزالته من الحيّز العام (محكمة العدل العليا 5883/93 يهلوم ضدّ المفتّش العامّ للشرطة). في عام 2003، اعترفت المحكمة العليا بالأهمية الوطنية للعلم باعتباره رمزًا لهوية الشعب الفلسطيني ككلّ، وألغت قرار رئيس لجنة الانتخابات المركزية لمنع أقسام من الدعاية الانتخابيّة للقائمة العربيّة الموحّدة وحزب التّجمّع، كان العلم الفلسطيني يظهر فيها. قضت المحكمة بأنه ليس من الممكن منع عرض العلم في الدّعاية المصوّرة إلا إذا تم عرضه بطريقة قد تسبب ضررًا جدّيًّا وعميقًا وجسيمًا لمشاعر الجمهور في إسرائيل ممّن قد يشاهدونها، وخاصة للمتضررين من الأعمال الإرهابية (المحكمة العليا 651/03 جمعية حقوق المواطن ضد لجنة الانتخابات المركزية للكنيست السادس عشر). في أعقاب التماس للمحكمة العليا، تراجعت الشرطة عن قرارها باشتراط عدم رفع العلم الفلسطيني من أجل المصادقة على السماح بمظاهرات ضدّ الهجمات الإسرائيلية على غزة خلال عام 2009 (محكمة العدل العليا 48/09 ماعوز ضد شرطة إسرائيل).
قبل عام واحد فقط (2021) ، حكمت محكمة الصلح في جلسة طلب تمديد اعتقال متظاهر كان يرفع العلم الفلسطيني بأن "رفع العلم الفلسطيني لا يشكل مخالفة جنائية حسب كتاب القوانين" ، وأمرت بإطلاق سراحه. (334146-09-21)
في شباط/ فبراير من عام 2022، قدمت جمعية حقوق المواطن التماسًا إلى المحكمة العليا ضد نهج الشرطة حيال علم فلسطين وتحديدًا خلال الاحتجاجات في القدس ومنطقة الشيخ جراح، وبسبب انتهاكها الجسيم لحقوق المتظاهرين في التعبير والكرامة والهوية (المحكمة العليا، 22/1386 دياب ضد المفتّش العام للشرطة). وفي ردّها على الالتماس ادّعت النّيابة العامّة أن مصادرة الأعلام واعتقال رافعيها لا يتم "في إطار سياسة جارفة وممنهجة وإنما في حوادث متفرقة وعينيّة وبناءً على تقديرات رجال الشّرطة في المكان". وبناء على هذا الموقف، رفضت المحكمة الالتماس، إلّا أنها سجلت في قرارها التزام الشرطة بالعمل من أجل "ترسيخ وإعادة توزيع تعليمات المستشار القضائي للحكومة بين أفراد الشرطة العاملين في الميدان لمنع الأخطاء في تنفيذها".
ماذا عن نيّة الحكومة لسنّ قانون يمنع رفع الأعلام الفلسطينية في المؤسّسات المموّلة من قبل الدّولة وعلى رأسها الجامعات؟
هذا مشروع قانون مناهض للديمقراطية، ويتعارض مع القيمة الجوهريّة للحريّة وحرّيّة التّعبير؛ وقد بدأ الحديث عنه في الحكومة السابقة. وفي التفسيرات المرافقة لاقتراح القانون، يُعتَبر رافعو العلم الفلسطيني خطرًا على الدّولة أو أنّهم لا يعترفون بها. وهذه التفسيرات ليست إلّا تحريضًا عنصريًّا وتجاهلًا لهويّة 20% من مواطني الدّولة. ومن غير الواضح إذا كان من الممكن أن تقبل المحكمة العليا المصادقة على إسقاطات هذا القانون والّتي تشمل تقليص ميزانيات المؤسسات التي سترفع الأعلام الفلسطينية فيها.