
في ظل تصاعد الحديث وظهور مخطّطات جديدة لإقحام الشاباك في محاربة الجريمة في المجتمع العربي، وبشكل واضح في الاتفاقيات الائتلافية للحكومة الجديدة، نعيد هنا نشر ورقة أسئلة وإجابات غالبًا ما يتمّ طرحها عند الحديث عن القضية، من أجل أن نساهم في توضيح الصورة وما يمكن أن تسبّبه خطوة مثل هذه من انتهاكات.
هل مسموح للشاباك العمل على محاربة الجريمة ومساعدة الشرطة؟
الشاباك هو تنظيم أمني يعمل بموجب قانون الشاباك الذي سنه الكنيست في العام 2002. يحدد القانون مهمات الشاباك. ينص القانون على أن الشاباك مسؤول عن المحافظة على أمن الدولة، أنظمة وترتيبات الحكم الديمقراطي ومؤسساته، في وجه التهديدات الإرهابية، التآمرية، التجسسية والكشف عن أسرار الدولة. من هنا، فليس من المفترض أن يعمل الشاباك في مجال الإجرام والقضايا المدنية الأخرى، ولا هو مخول صلاحية العمل في هذه المجالات.
هل بالإمكان التعامل مع الإجرام في المجتمع العربي باعتباره مشكلة أمنية؟
كلا. إن طمس الحدود ما بين أمن الدولة والقضايا المدنية الداخلية هو أمر خطير. الإجرام هو قضية يُفترض أن تتولى الشرطة، وليس "جهاز الأمن العام" (الشاباك)، معالجتها. مجرد تصنيف الإجرام في المجتمع العربي بأنه مسألة أمنية هو أمر مرفوض في حد ذاته، إذ أن الإجرام قد نما وتطور على خلفية الإهمال المستمر منذ عشرات السنين واجتثاثه يتطلب عملاً متعدد المستويات يشمل الرفاه، التعليم والعمل، إلى جانب عمل الشرطة. إن النظر إلى الوضع عبر المنظار الأمني فقط هو أمر مرفوض ويخلق وهماً خطيراً بأن المشكلة هي مشكلة أمنية وبأن المواطنين العرب هم مشكلة أمنية.
إذا قررت الحكومة إقحام الشاباك، إذن، فكيف ستفعل ذلك؟
ثمة في قانون الشاباك إمكانية لتخويل الجهاز صلاحية معالجة قضايا تندرج تحت تعريف "الأمن القومي"، وذلك بمصادقة خاصة من اللجنة البرلمانية الفرعية لشؤون الاستخبارات، والتي هي لجنة متفرعة عن لجنة الشؤون الأمنية والخارجية في الكنيست. لكن محكمة العدل العليا كانت قد قررت، في نيسان 2020، أن هذا التخويل متاح في حال وجود تهديدات طارئة غير متوقعة ولفترة قصيرة محدودة. وإذا ما اختارت الحكومة هذا المسار، فمن المحتمل ألا يعلم الجمهور بالأمر مطلقًا، لأن مداولات هذه اللجنة الفرعية تجري بسريّة وسيكون هذا الإجراء ـ كما ترى جمعية حقوق المواطن ـ إجراء غير قانوني. وترى جمعية حقوق المواطن إن الطريقة الوحيدة أمام الحكومة لإقحام الشاباك في محاربة الجريمة هي بواسطة تعديل قانون الشاباك أو سن قانون خاص، كما حدث عند تخويل الشاباك صلاحية مساعدة وزارة الصحة في إطار مكافحة جائحة الكورونا، لكن موقفنا المبدئي هو أن تعديلا او قانونا كهذا يمس بشكل خطير بحقوق الانسان وبالحقوق التي يضمنها القانون الجنائي كما وبمبادئ الديمقراطية.
هل إقحام الشاباك في محاربة الجريمة هو فكرة جيدة؟
مُنح الشباك وسائل وصلاحيات قوية تنطوي على انتهاك خطير لحقوق الفرد. وهي وسائل مُعدّة للأمن الوقائي. يعمل الشاباك بسرية لكشف أي نشاط غير قانوني يسعى إلى المس بالأمن، قبل تنفيذه. هذا العمل الوقائيّ الرامي إلى إحباط النشاطات غير القانونية هذه يصطدم بصورة مباشرة، وجهاً لوجه، مع القيم الأساس في النظام الديمقراطي. على سبيل المثال ـ يستخدم الشاباك الاعتقالات الإدارية بكثرة، علماً بأنها اعتقالات وقائية تستند في الغالب على مواد سرية، بدلاً من تقديم الأشخاص المعنيين إلى المحاكمات والكشف أمامهم عن الأدلة المتوفرة ضدهم. لذلك، الصلاحيات في مجال الأمن الوقائي في الدول الديمقراطية أوسع من صلاحيات الشرطة العادية، من جهة، بافتراض أنها ستُستخدَم لمحاربة أعداء الدولة، سواء كانوا من داخلها أو من خارجها، لكنها ـ من جهة أخرى ـ محدودة ومحصورة في المجال الأمني فقط.
ما من شك في أن هذه الوسائل يمكن أن تكون ناجعة جداً في تحقيق أهداف مدنية أيضاً، مما يجعل الإغراء في استخدامها في كل الحالات كبيراً. وقد رأينا هذا إبان جائحة الكورونا حين ضغطت الحكومة لاستخدام الشاباك في رصد وتعقب أي اتصال بين المصابين بالفيروس ومواطنين آخرين.
الأزمات والتحديات الصعبة، مثل الجريمة المتفشية في المجتمع العربي، تستوجب وتحتم اتخاذ إجراءات جديّة، غير أنه يُحظر اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات من خلال انتهاك القيم الأساس في النظام الديمقراطي ودوس حقوق الإنسان. لذلك، ليس من اللائق استخدام أية وسيلة ممكنة والضرر العام المترتب عن إقحام الشاباك في محاربة الإجرام سيكون أكبر من الفائدة المرجوة منه، بكثير. إذا ما جرى إقحام الشاباك، فلماذا لا يتم استخدام الاعتقالات الإدارية، أو سلب الحق في التقاء محامٍ، أو فرض حظر التجول الليلي ـ فهذه كلها إجراءات يزعم انها فعّالة، لكن ليس كل إجراء يزعم أنه فعال يعتبر شرعياً ومسموحاً به في المجتمع الديمقراطي.
ما هي الصلاحيات المتوفرة للشاباك لكنها غير متوفرة لشرطة؟
يعمل الشاباك تحت غطاء من السرية التامة وتسري صلاحياته على جميع المواطنين، وليس على المشتبه بارتكابهم مخالفات قانونية فقط. ولا تخضع ممارسات الشاباك وأعماله لأية رقابة خارجية وينفذ الكثير من عملياته دون أمر قضائي ودون واجب تبريرها بتقديم أدلة وقرائن أمام جهة مستقلة. كذلك، ليس هنالك أي جهاز يمكنه ممارسة الرقابة الناجعة على أعمال الشاباك، ولو بأثر رجعي.
يكفي أن نتمعن في صلاحيات الشاباك المحددة في القانون كي نفهم الطريقة المختلفة التي يعمل بها الشاباك، مقارنة بالشرطة، ومن ضمنها صلاحية استدعاء أشخاص إلى التحقيق حتى لو لم تتوفر ضدهم أية شبهة بارتكاب مخالفة ما. وتجري تحقيقات الشاباك في ظروف مختلفة تماماً عن تلك التي تجري فيها تحقيقات الشرطة، على نحو قد يؤدي إلى انتهاك حقوق الأشخاص الخاضعين للتحقيق. يتمتع الشاباك بصلاحية الدخول إلى الحيز الخاص من دون أمر قضائي، بصلاحية إجراء تفتيش خفيّ، من دون أمر قضائي، في السيارة وفي الحيز الخاص، إلا أن درة تاج نشاطه هو العمل في جمع المعلومات الاستخباراتية. فلدى الشاباك بنك معلومات هائل يشمل جميع المعطيات عن مواطني الدولة ولديه القدرة على مراقبة، رصد وتعقب جميع تحركات أي إنسان. والبحث في مخزون هذا البنك يجري دون الحاجة إلى استصدار أمر قضائي أو دون توفر أية شبهة بتنفيذ مخالفة ما. هذا كله خلافاً للقيود التي يحددها ويفرضها القانون على قدرة الشرطة على تنفيذ المراقبة والتعقب بواسطة تقنيات تحديد الموقع والمعطيات الاتصالاتية. كما تلقى الشاباك أيضاً صلاحيات إجراء التصنت السريّ على المحادثات الخاصة دون استصدار أمر قضائي، بما في ذلك لغرض جمع المعلومات الاستخبارية أيضاً، وليس لغرض التحقيق في مخالفة تم ارتكابها فقط. كما يسيطر الشاباك أيضاً على بنوك معلومات هائلة جداً تتوفر لدى هيئات وأذرع سلطوية أخرى وهو يمتلك صلاحية شاملة وجارفة للحصول على أية معلومات يريدها من هذه البنوك.
ما هو الخطر المحتمل على حقوق الفرد جراء إقحام الشاباك في محاربة الجريمة؟
يكمن الخطر في التسبب بتردي حقوق الفرد ويكفي أن نلقي نظرة نحو الضفة الغربية والقدس الشرقية، كي ندرك مدى المس بحقوق الفرد الأكثر أساسية عندما يتم إخضاع منطقة ما إلى نشاط الشاباك. فالشاباك لا يعرف ولا يقصد العمل بطرق الشرطة وأساليبها، وهو أقل حساسية للتمييز والفصل بين مخالفين للقانون ومواطنين عاديين، وهو يعمل أحياناً في المناطق الرمادية من القانون، دون أية رقابة حقيقية. وكتنظيم أمني، لا يُقاس عمل الشاباك سوى بالنتائج بينما يُنظر إلى الحريات الفردية ومجرى الحياة الطبيعي باعتبارها هوامش، مقارنة بتنفيذ المهمات. قد يعيد الشاباك المجتمع العربي إلى الأيام التي كان يخضع فيها للمراقبة والتعقب الدائمين، حيث يتم رصد وتوثيق أي تحرك وأي نشاط. هذا يعني فقدان قيم أساسية مثل الحرية، حرية الحركة والحرية الشخصية، إضافة إلى المس العميق بحقوق الإجراء الجنائي.
وماذا عن إقحام الشاباك لفترة محدودة فقط؟
في اللحظة التي يتم فيها التعود على استخدام وسائل متطرفة يصبح من الصعب التخلص منها والتوقف عن استخدامها. وكما أشارت القاضية دفنا براك أيرز في قضية استخدام الشاباك تقنيات تحديد الموقع خلال أزمة الكورونا: "إدخال وسائل استثنائية ووضعها قيد الاستخدام يمتاز بدرجة عالية من "التدبّق" (stickiness)". في اللحظة التي يبدأ فيها الشاباك العمل واستخدام وسائله في مكافحة الجريمة، سيكون من الصعب إيقافه ولن يكون بإمكان أي شخص تحديد نقطة النهاية. لن ينتهي الإجرام ولن تختفي الجريمة تماماً من حياتنا، وإذا ما تقلصت بدرجة كبيرة فسيُقال أن هذا ليس سوى برهان على ضرورة عدم الانسحاب والتراجع ووقف استخدامه.
وماذا عن قصر إقحام الشاباك على مجال الأدوات التكنولوجية وجمع المعلومات الاستخبارية فقط؟
كما أشرنا سابقاً، فإن هذه الأدوات التكنولوجية هي أدوات ووسائل للتعقب الجماهيري الذي لا يميز بين الأفراد. يجمع الشاباك معلومات استخبارية بصورة شاملة وجارفة عن جميع المواطنين، لكن من المسموح له معالجة المعلومات لضرورات أهدافه الأمنية فقط. إن تخويل الشاباك صلاحية معالجة هذه المعلومات حول المواطنين دونما حاجة تقتضيها ضرورات الأمن الوقائي من شأنه جعل المجتمع العربي كله مجتمعاً خاضعاً للمراقبة والتعقب يسيطر عليه الشاباك بالكامل وبأدق التفاصيل الأكثر خصوصية وحساسية. إن الدمج ما بين كميات المعلومات الهائلة المخزنة لدى الشاباك وبين القدرات المتقدمة في مجال معالجة المعلومات يتيح للشاباك، بسهولة فائقة نسبياً، استخراج أية معلومات حساسة عن أي مواطن، علاقاته الاجتماعية، أماكن الترفيه التي يرتادها، معتقداته الدينية، ميوله الجنسية وغيرها. بسبب هذه الخشية بالتحديد، أقرت المحكمة العليا قبل عقد من الزمن أن الشرطة لا تستطيع استخدام المعلومات التكنولوجية من أجل جمع معلومات استخباراتية عامة، وإنما لغرض استيضاح شبهة محددة وعينية فقط، وذلك لمنع تحول الشرطة إلى ما يشبه "الأخ الأكبر" الذي يجمع معلومات هائلة عن المواطنين. لكن ما حُظر على الشرطة القيام به، مسموح للشاباك وضمن صلاحياته.
ملف للطباعة بصيغة pdf: